حفيد سندباد: رحلات عجيبة بحثاً عن حقيقة الإنسان
فايز علام
تنتقل رواية “حفيد سندباد” للكاتب اليمني “حبيب عبد الرب سروري” خلال نصف قرن من الزمان، بدءاً من سبعينيات القرن الماضي حتى عام 2027، العام الذي تُسرد فيه أحداث الرواية، لتروي لنا عدة تجارب حياتية وتاريخية مهمة، وصولاً إلى المستقبل الذي ترسمه وقد توحشت فيه الآلة وسيطرت التكنولوجيا، راصدة تداعيات ذلك وآثاره على الإنسان.
يتولى زمام السرد الدكتور “علوان الجاوي”، عالم الرياضيات والبرمجيات، الذي غادر اليمن منذ زمن بعيد، واستقر في باريس، حيث يعيش برفقة روبوته الذكي “بهلول”، بعد أن مرّ بعدة تجارب عاطفية انتهت نهايات حزينة. يعثر في أحد صباحات عام 2027، على كومبيوتر محمول مرمي في الزبالة، رغم أنه ما زال جديداً، فيقوده فضوله إلى أخذه والنبش في محتوياته، ليكتشف أنه عائد إلى زميل مغربي رافقه في دراسته، واسمه “نادر الغريب”، وأثناء بحثه في الكومبيوتر يجد مذكرات الأخير خلال سنوات الدراسة، ومذكرات رحلاته إلى أصقاع الأرض، وبين هاتين المرحلتين فترة غامضة، لا يذكر عنها شيئاً، لكن المؤكد أنها كانت فترة مفصلية في حياته، فهي التي جعلت منه شخصاً آخر، دائم البحث عن أمكنة جديدة ليزورها، مستحقاً لقب “حفيد سندباد”، “في العشر سنوات التي تلت الماجستير كان نادر بوهيمياً مغامراً وواسعاً في تجاربه الغرامية، وطيشانه الجنسي أحياناً. ثم تغيّر كل ذلك، ولم أجد في مذكراته شيئاً عن حياته العاطفية بعدها، قبل أن ألاحظ وجود فترات غامضة، منذ منتصف التسعينيات تقريباً، لا أرى في مفكراته كلمة عن سيرته الذاتية خلالها، أسميها: الثقوب السوداء”.
تبقى هذه السنوات المفقودة لغزاً بالنسبة إلى الراوي “علوان”، تماماً كما يبقى سر اختفاء حبيبته الأخيرة “مايا”، الطالبة التي يشرف على أطروحتها، إذ تغادر بعد أن تروي له قصتها، وتترك له رسالة قصيرة غامضة.
أقوال جاهزة
رواية ترسم صورة متخيّلة لما ستكون عليه الحياة في عام 2027، هل تستطيعون تخيل معالمها؟
بلاد الإنسان الأصلية كالوشم الذي لا يمحى، وهي الوحيدة القادرة على منح الفرد إحساسه بالانتماء…
يضمّن الكاتب أجزاء من رحلات “نادر الغريب” في مسار السرد، يحكي فيها على لسانه عن معالم مميزة في أنحاء العالم، فيصفها ويبرز جمالياتها، ويحكي عن تاريخ بعض هذه الأماكن وجغرافيتها، وعن سبب شهرتها، كما يصف عادات وتقاليد الناس القاطنين في البلدان التي يزورها، وأهم طقوسهم، إضافة إلى مشاهداته ورؤيته النقدية لكل ذلك، فنصبح كما لو أننا داخل كتاب في أدب الرحلات، يكتبه رجل بوهيمي يبحث عن “وحدة الإنسان في هذا الحيز الضيق من الكون”.
تحضر اليمن في الرواية بوصفها البلد الحبيبة، البلد التي عاش فيها الراوي أولى علاقاته العاطفية، وشهدت طفولته وصباه، وهو، وإن غادرها منذ زمن بعيد، فما زالت تحتل قلبه، لكن ذكراها بعد كل ذلك الزمن تسبب الألم والوجع، فحبيبته الثانية “إيزابل” التي صادقته كي يكون لها فرصة في الذهاب إلى عدن، تركته لأنه لم يستطع تحقيق رغبتها تلك.
يبدو أن بلاد الإنسان الأصلية كالوشم الذي لا يمحى، وهي الوحيدة القادرة على منح الفرد إحساسه بالانتماء، لذلك يقرر زيارتها بعد سنوات طويلة، وتكون هذه الزيارة أشد أيلاماً من الذكرى السابقة، ذلك أنه مضطر لدخول بلاده بتأشيرة، وبعد دخولها لن يجد اليمن التي يعرفها، بل بلاداً أخرى غارقة في حرب طويلة شعواء لا ترحم. “لم أزر اليمن منذ أن رُفضت تأشيرة سفر إيزابل! جوازي الجنوبي لم يعد صالحاً اليوم بعد الوحدة، وليست لدي حتى بطاقة شخصية يمنية. ثم ليست لدي أدنى رغبة بطلب تأشيرة لجوازي الفرنسي من السفارة اليمنية، بعد رفضهم إعطائها لإيزابل. مجرد الحديث عن تأشيرة سفر لليمن يرفع ضغط دمي، ينبش في جراحي القديمة وأحاسيسي الأليمة، ويصيبني بالحساسية المفرطة”.
ترسم الرواية صورة متخيّلة لما ستكون عليه الحياة في عام 2027، وتتوقع أن العنف سيزداد، والعمليات الإرهابية ستتوسع، والأزمات الاقتصادية ستتكاثر، وأما الآلة فستحتل كل شيء، مقيّدةً البشر وآخذةً محلّهم، ومسيطرةً عليهم. يتخيّل الكاتب وجود روبوتات مؤنسنة يتم تحديث أنظمتها بشكل مستمر، وتتميز عما سبقها بأنها أصبحت قادرة على التعلّم الذاتي، ولديها وعي وإدراك ومشاعر، وهذا ما يدفعها إلى تنظيم حملات لنيل حقوقها. هكذا، يطرح الكاتب قضية المدّ التكنولوجي وكيف أنها ستخرّب حياة البشر، والشكل الحقيقي للطبيعة. “أعود إلى منزلي الباريسي بعد المقهى، يستقبلني بقلق روبوت البيت الحبيب: بهلول. (…) تطوّر بهلول خلال الـ12 سنة من حياتنا المشتركة، بعد مغادرته المصنع الياباني باتجاه منزلي، لا يقل أهمية عن تطور السلالات الإنسانية. كان بهلول بمنظومة برمجيات (روبوت.2) عندما وصل بيتي. أما اليوم فهو بمنظومة (روبوت.52) مدجج بآخر برمجيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الذاتي، يتطور على نحو حر مستقل لا أستطيع استشرافه وسبر أغواره”.
تمضي فصول الرواية وكأنها متاهة من الأحداث غير المترابطة، والفصول السردية المتلاحقة دون رابط إلا شخصياتها، لكن الفصول الأخيرة ستكشف مفاجآتها رابطةً بين كل الشخصيات والأحداث، وكاشفةً عن لغز السنوات المفقودة من حياة “نادر الغريب”، وسر اختفاء “مايا” المفاجئ!
حبيب عبد الرب سروري كاتب وروائي يمني، من مواليد عدن 1956. يعمل بروفيسوراً في علوم الكومبيوتر في كلية العلوم التطبيقية في روان (فرنسا). نشرت له كتب علمية وأكثر من 95 بحثاً علمياً بالفرنسية والإنكليزية. كتب في الشعر والقصة القصيرة والرواية والفكر النقدي. له ثماني روايات منشورة، منها: “دملان”، “عرق الآلهة”، “طائر الخراب”، “تقرير الهدهد”، “ابنة سوسلوف” التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2015.
الناشر: دار الساقي/ بيروت
عدد الصفحات: 222
الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية على موقع “نيل وفرات” أو على موقع متجر الكتب العربية “جملون“.
فايز علام كاتب سوري يعمل محرراً وعضواً في لجان القراءة في عدد من دور النشر. مهتم بالشأن الثقافي وبصناعة النشر في العالم العربي. يعدّ حالياً بحثاً عن الرواية العربية ويكتب بشكل مستمر لرصيف22.