خاص لمجلة بانيبال الإنجليزية، حسب طلبها للرد على أسئلتها، للعدد رقم ٥٦

 

من مواليد عدَن (١٥ أغسطس ١٩٥٦) في عائلة شغوفة بالأدب، ارتبطتُ بعلاقة حميمة بالشعر أوّلاً، ومارستهُ منذ الصغر.

حقّقتُ أربعة أخماس سعادات كل حياتي في الرابعة عشرة، عندما نشرتُ أوّل قصائدي، في مجلة “الحكمة”، أهم مجلات اليمن الأدبية آنذاك.

كنتُ لسوء الحظ أحب الرياضيات والمواد العلمية في صغري أيضاً. لم يكن ذلك سلبياً بشكل مطلق، لأن بفضله:

١) اختصرتُ عدد سنوات دراستي وأنهيت الثانوية العامة، قبل بدء “قانون الخدمة العسكرية” في جنوب اليمن.

عملتُ بفضل ذلك الخدمة الوطنية، بعد الثانوية العامة، مدرسا للرياضيات في سنة تاسعة، بإعدادية الشيخ عثمان بعدَن.

٢) سافرتُ في ١٩٧٦ لدراسة الهندسة الكهربائية في فرنسا. غيّرتها، حال وصولي، لدراسة الرياضيات التطبيقية، وإن كنتُ شبه أميٍّ فيها، بسبب عدم تدريس الرياضيات الحديثة آنذاك في عدن، في حين لم يدْرس طلاب إعداديات وثانويات فرنسا غيرها.

تلاها التخصص في علوم الكمبيوتر (الذكاء الاصطناعي).

٣) بعد أطروحة الدكتوراه في ١٩٨٧، ثم أطروحة “التأهيل لقيادة الأبحاث” في ١٩٩١، تحوّلتُ إلى بروفيسورٍ جامعي في ١٩٩٢ وأنا في السادسة والثلاثين.

بدأتُ حينها أنظِّم وقتي كما أحب، وأكرِّس بعضه للعودة أخيراً لتحقيق شغفي الأدبي الجذريّ الحميم.

لانشغالي بالتحصيل والبحث العلمي لا غير، بين ١٩٧٦ و١٩٩٢، تركتُ مجبراً ممارسةَ الكتابة الأدبية، خلا كتابة أنصاف قصائد بين الحين والحين.

لكني لم أتوقف عن قراءة الأدب والفكر الفرنسي، منذ إكمال دراسة اللغة الفرنسية التي تعلّمتُ أول كلمة منها عند وصولي فرنسا.

نظّمتُ وقتي منذ ١٩٩٢ وفق هذه الآية القرآنية: “للذكر مثل حظ الأنثيين!”.

الذكر هنا: البحث العلمي، التدريس، الكمبيوتر[1]… والأنثى: الرواية، الكتابة[2]…

للأول ثلثا الوقت، وللثاني ثلثه؛ بانتظار التقاعد بعد حوالي ٥ سنوات، حيث أتمنّى أن تنعكس الآية، على نحوٍ حميد، لتصبح: “للأنثى مثل حظ الذكرين!”.

بدأتُ تجربتي الأدبية، بعد ١٩٩٢، بكتابة رواية بالفرنسية: “الملكة المغدورة” (ترجمها إلى العربية الأستاذ علي محمد زيد، ستظهر طبعتها الثالثة في دار الساقي هذا الصيف)،

تلتها ٧ روايات بالعربية أوّلها ثلاثية روائية: دملان (دار الآداب، ضمن القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد)؛

في منتصفها: “تقرير الهدهد” (دار الآداب، بطلها أبو العلاء المعري. فصل منها مترجم في هذا العدد من بانيبال)؛

ما قبل الأخيرة: “ابنة سوسلوف” (دار الساقي، ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لعام ٢٠١٤)، ترجِمت إلى الفرنسية (تحت الطبع، دار آكت سود، ترجمة الأستاذة هناء جابر)، وإلى الإنجليزية (تحت الطبع، دار دارف، ترجمة الأستاذة إليزابث جاكت)؛

وآخرها: “حفيد سندباد”، دار الساقي، ضمن القائمة المرشحة عن الدار لجائزة البوكر العربية لعام ٢٠١٦.

نشرتُ أيضاً بجانب هذه الروايات: ديوان شعر، مجموعة قصص قصيرة، وكتابان فكريان آخرهما: “لا إمام سوى العقل”، دار رياض الريس.

أواظب على نشاطات كتابية دائمة، أحدها عمود ثقافي في الملحق الثقافي للعربي الجديد، منذ سبتمبر ٢٠١٤؛ وبضعة مقالات في صحيفة اللوموند وليبراسيون الفرنسيتين.

أدرتُ فريق أبحاث جامعي ومشاريع تساهم فيها فرق جامعية متعددة؛ ونشرتُ أكثر من ١٠٠ بحث في مجلات ومؤتمرات علمية دولية محكّمة متخصصة؛ وبضعة كتب علمية بالفرنسية والإنجليزية؛ وتحوّلتُ إثر ذلك إلى ما يسمّى بالنظام الأكاديمي الفرنسي: “بروفيسور جامعي من الدرجة الأولى”.

من أُحِب من الأدباء والكُتاب؟

ثمّة كتبٌ جوهرية غيّرت كل حياتي، أدين لها ولأصحابها مدى العمر. أمارس مع الأحياء منهم طقساً “دينيا” غريباً: أهرع لشراء كتبهم يوم صدورها، مهما كانت ظروف عملي، حتى وإن كنت أعرف مسبقاً أني لن أقرأها إلا بعد أسابيع!

عدا ذلك، أنا مغرمٌ بالمسرح أيضاً: أحضر مثلا، بانتظام منذ أكثر من ١٠ سنوات، مهرجان أفينيون المسرحي سنوياً، خلال أسبوعين أو ثلاثة، بمعدّل فعاليتين ثقافتين أو ثلاث يوميّاً.

أترك هنا عينات فقط من الأسماء الأدبية والفكرية المطلوب مني سردها في هذه البورتريه: نيتشه، هوميروس، أبو العلاء المعري، شكسبير، رامبو، فيليب سوليرس، أمين معلوف، دورميسون، ميشيل هولبيك، ستيفان بانكير، باسكال بوييه…

ماذا يعني الأدب لي؟

الأدب ابن أهم ما يميّز نوعنا البيولوجي عن بقية الأنواع: اللغة المجرّدة والفن. موطن تنفّسِه وحركتِه ليس الواقع فقط، ولكن الخيال أيضاً (سيّد ملَكات الإنسان).

بعكس بقية النشاطات الفكرية الأخرى (التي تحفر عمودياً في مجالٍ محددٍ ما، كالفيزياء، الجيولوجيا، التاريخ، الرياضيات، علم النفس…)، الأدبُ رحلةٌ أفقية تسبر أغوار كل الحياة والنشاطات الإنسانية.

بإمكانه أن يكون وسيلةَ التعبير الفنيّة عن التاريخ، العلم، السياسة، وعن كل ما يهم الإنسان، وما لا يهمه أيضاً…

لذلك هو كوثر إبداع الإنسان، في أثرى أبعاده.

لكن الأدب قبل هذا وذاك، لاسيّما الرواية، مغامرة الذات الإنسانية وهي توسِّع الحياة البشرية وتضيف لها أحاسيس وأحلام ومعانات وآمال جديدة، عشقٌ جديد، رفضٌ وصرخات ومغامراتُ سفرٍ في المكان والزمان.

باختصار: تضيف لها حيوات جديدة، أي:”ألواح محفوظة” جديدة!

الرواية، هكذا، محاكاة للآلهة في كتابة اللوح المحفوظ (الذي كتبه الإله منذ الأزل حسب النظرية الدينية، والذي يسرد مسبقاً كل سيرورة الحياة البشرية التي ما جاءت إلا لتُحقِّقه وتُجسّده، كما يترجم الفيلمُ السينمائي سيناريو المخرج)!

الرواية، هكذا، ألوهيةٌ في ألوهية، أو ألوهيةٌ مربّعة:

لأن هذا الإنسان الذي يقال إنه اخترعَ الآلهة على غراره، وبملكات جبارة لا حدود لها تتجاوزه في كل الاتجاهات، منحها ملَكة كتابة أوّل روايةٍ في تاريخ الكون: “اللوح المحفوظ”.

ثم منح نفسه، عبر اختراعهِ فنّ الرواية، ملَكة كتابة ألواح محفوظة صغيرة، على غرار أكثر مخلوقات خياله العجيبة جبروتا وعبقرية!

بماذا أختتمُ هذه البورتيه؟

بأهم حدثٍ في حياتي وأجمله: ناتلي (زوجتي)، كليمنتين، وعمبرين (ابنتانا)!

الأولى أستاذة جامعية مرموقة ورئيسة قسم، ملاكي الأزلي الأبدي. شعلةٌ تملأ الكون. عرفتها منذ أول أسبوعٍ في أول سنة جامعية، ولم نفترق. لولا تلاقحنا، وموسيقى حياتنا المشتركة، لما تقدمتُ خطوة واحدة في هذه الحياة، ولا هي ربما…

الثانية (٢٥ سنة)، بعد إكمال دراسة جامعية في مدارس النخبة (هنري الرابع، HEC)، تعمل حاليا في فيتنام. والصغيرة في طريقها إلى كولمبيا كجزء من دراستها الجامعية للفنون الجميلة.

استحضر فجأة، لا أدري لماذا، أغنيةً ساذجة احتفالية كنا نغنيها الأربعة معاً بصوتٍ واحد، في ٢٠٠٤، ببراءة ومرح طفولي، ما زالت أصداؤها تملأ سماء جنوب أفريقيا (واحدة من حوالي ٥٠ بلدٍ زرناه الأربعة معاً، زرت عددا آخر لوحدي)، وسيّارتَنا تعبر سهول وجبال وشواطئ ذلك البلد الساحر الفسيح، في كل الاتجاهات:

Live is life, Na Na NaNa Na…

 

 

كلمات مذكّرة بالعربية.[1]

كلمات مؤنثة بالعربية.[2]